عَزِيزٌ} [الحج: 73]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عَزِيزٌ} [الحج: 73]
إلى أضعافِ أضعافِ ذلك من براهين التَّوحيد العقليّة التي أرشد إليها القرآن ونبَّه عليها. ولكن هاهنا أمرٌ آخر، وهو أنّ العقاب على ترك هذا الواجب (1) يتأخَّر إلى حين ورود الشَّرع، كما دلَّ عليه قولُه تعالى:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]
، وقولُه:
{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك: 8 - 9]
، وقولُه:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]
، وقولُه:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]
(2). فهذا يدلُّ على أنّهم ظالمون قبل إرسال الرُّسل، وأنّه لا يهلكهم بهذا الظُّلم قبل إقامة الحجّة. فالآيةُ ردٌّ على الطّائفتين معًا: من يقول: إنّه لا يثبت الظُّلم والقبح إلّا بالسَّمع، ومن يقول: إنّهم معذَّبون على ظلمهم بدون السَّمع. فالقرآن يبطل قول هؤلاء وهؤلاء، كما قال تعالى:
{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 47]
، فأخبر: أنَّ ما قدَّمت أيديهم قبل إرسال الرَّسول