مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الإيثار. قال الله تعالى في مدح أهله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
فالإيثار ضدّ الشُّحِّ، فإنّ المؤثِرَ على نفسه تاركٌ لما هو محتاجٌ إليه، والشّحيح حريصٌ على ما ليس بيده، فإذا حصل بيده شَحَّ عليه وبَخِلَ بإخراجه. فالبخل ثمرة الشُّحِّ، والشُّحُّ يأمر بالبخل، كما قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إيّاكم والشُّحَّ، فإنّ الشُّحّ أهلك مَن كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخِلُوا، وأمرهم بالقطيعة فقطَعوا» (1).
فالبخيل: من أجاب داعيَ الشُّحِّ، والمُؤثِر: من أجاب داعيَ الجود.
وكذلك السّخاء عمّا في أيدي النّاس هو السّخاء، وهو أفضلُ من سخاء البذل. قال عبد الله بن المبارك - رضي الله عنه -: سخاء النّفس عمّا في أيدي النّاس أفضلُ من سخاء النّفس بالبذل (2).