«فلا يلتفتون إلى شيءٍ من النّعيم ما داموا ينظرون إليه» (2).
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تجلّى لهم سبحانه وأراهم نفسَه، فإنّهم لا يشعرون في تلك الحال بشيءٍ من النّعيم، ولا يلتفتون إلى سواه البتّة، كما صرّح به في الحديث (1) في قوله:
«فلا يلتفتون إلى شيءٍ من النّعيم ما داموا ينظرون إليه» (2).
والمعنى: أنّ هذا اللّائح الذي ألاحَه سبحانه لهم أذهلَهم عن الشُّعور بغيره.
قوله: (وهيّمَهم عن شهودِ ما هم له). يحتمل أن يكون مراده: أنّ هذا اللّائح هيّمَهم عن شهود ما خُلقوا له، فلم يبق فيهم اتِّساعٌ للجمع بين الأمرين. وهذا وإن كان لقوّة الوارد فهو دليلٌ على ضعف المحلِّ، حيث لم يتّسع القلبُ معه لذِكْر ما خُلِق له، والكمالُ أن يجتمع له الأمران.
ويحتمل أن يريد به: أنّ هذا اللّائح غيّبَهم عن شهود أحوالهم التي هم لها في تلك الحال، فغابوا بمشهودهم عن شهودهم، وبمعروفهم عن معرفتهم، وبمعبودهم عن عبادتهم، فإنّ الهائمَ لا يشعر بما هو فيه ولا بحال نفسه، وفي «الصِّحاح» (3): الهُيام كالجنون مِن العِشق.
قوله: (وضنّ بحالهم على علمهم) أي: بَخِلَ به، والمعنى لم يمكن علمهم أن يدرك حالهم وما هم عليه.
قوله: (فاستسرُّوا عنهم) أي: اختفوا حتّى عن أنفسهم، فلم تعلم نفوسُهم كيفَ هم! ولا تبادِر بإنكار هذا، تكن ممّن لا يصل إلى العنقود