{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال (1): (باب الجمع: قال الله تعالى:
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]
).
قلت: اعتقد جماعةٌ أنّ المراد بالآية: سلبُ فعل الرّسول - صلى الله عليه وسلم - عنه وإضافتُه إلى الرّبِّ تعالى، وجعلوا ذلك أصلًا في الجبر، وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرّبِّ تعالى وحده.
وهذا غلطٌ منهم في فهم القرآن، ولو صحّ ذلك لوجب طرده [في جميع الأعمال] (2)، فيقال: ما صلّيتَ إذ صلّيتَ، ولا صمتَ إذ صمتَ، ولا ضحَّيتَ إذ ضحَّيتَ، ولا فعلتَ كلَّ فعلٍ إذ فعلتَه، ولكنّ الله فعل ذلك. فإن طردوا ذلك لزمهم في جميع أفعال العباد: طاعاتهم ومعاصيهم، إذ لا فرق. وإن خصُّوه بالرّسول - صلى الله عليه وسلم - وحده وأفعاله جميعها أو رميه وحده تناقضوا. فهؤلاء لم يوفَّقوا (3) لفهم ما أريد بالآية.
وبعد، فهذه الآية نزلت في شأن رميه - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم بدرٍ بقبضةٍ من الحصى (4)، فلم تدَعْ وجهَ أحدٍ منهم إلّا أصابته (5). ومعلومٌ أنّ تلك الرّمية