مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقوله في الدرجة الثالثة: (وبقاء ما لم يزلْ حقًّا بإسقاط ما لم يكن مَحْوًا)، أي يغلب على القلب سلطانُ الحقيقة ونورُ الجمع، حتَّى ينطمس من قلبه أثرُ المخلوقات كما ينطمس نور الكواكب بطلوع الشمس، ويبقى فيه تعظيمُ من لم يزل وذكره وحبُّه، والاشتغال به لا بغيره.
فالدرجة الأولى: بقاءٌ في مرتبة العلم، والثانية: بقاءٌ في مرتبة الشُّهود، والثالثة: بقاءٌ في مرتبة الوجود، فهذا وجهٌ.
ويمكن شرح كلامه على وجهٍ آخر، وهو: أنّ المعلوم يسقط شهود العلم، فالعلم يسقط والمعلوم يثبت، فالعبد إذا بقي بعد الفناء سقط علمه في مشهد عيانه بحيث تبقى مرتبة العلم عيانًا، فيسقط العلم بالعيان بحيث يصير عينًا لا علمًا، فإذا نظرتَ إلى العلم باعتبار العين ــ وهي حضرة الجمع ــ سقط العلم، وإذا نظرتَ إليه باعتبار الفرق (1) لم يسقط، فسقوطه في حضرة الجمع، وثبوته في مقام الفرق.
وقوله: (وبقاء المشهود بعد سقوط الشُّهود وجودًا) يعني: بقاء الحقِّ الذي هو المشهود بعد سقوط الشُّهود الذي هو المخلوق، فإنَّ المشهود صفة المشاهِد (2)، والمشاهِد (3) وصفاته مخلوقٌ، ومشهوده سبحانه غير مخلوقٍ، كما أنّ علمه وذكره ومعرفته مخلوقةٌ، والمعلوم المذكور المعروف سبحانه غير مخلوقٍ، وإذا كان الموصوف قد فني فصفاته تابعةٌ له في الفناء، فيفنى شهوده ويبقى مشهوده.