{وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال الشّيخ (1): (باب البقاء. قال الله تعالى:
{وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73]
).
البقاء الذي يشير إليه القوم: هو صفة العبد ومقامه، والبقاء في الآية: هو بقاء الرّبِّ تعالى ودوام وجوده، وإنّما ذكره مؤمنو السَّحَرة في هذا المكان لأنّ عدوّ الله فرعون توعَّدهم على الإيمان بإتلاف حياتهم وإفناء ذواتهم، فقالوا له: وإن فعلتَ ذلك، فالّذي آمنّا به وانتقلنا من عبوديّتك إلى عبوديّته، ومن طلبِ رضاك والمنزلةِ (2) عندك إلى طلب رضاه والمنزلة عنده= خيرٌ منك وأدومُ، وعذابك ونعيمك ينقطع ويفرغ، وعذابه هو ونعيمه وكرامته لا ينقطع ولا يبيد، فكيف نُؤثِر المنقطع الفاني الأدنى على الباقي المستمرِّ الأعلى؟
ولكن وجه الإشارة بالآية أنّ الوسائل والتّعلُّقات والمحبّة والإرادة تابعةٌ لغاياتها ومحبوبها ومرادها، فمن كانت غاية محبّته وإرادته منقطعةً انقطع تعلُّقه عند انقطاعها، وذهب عمله وسعيه واضمحلّ. ومن كان مطلوبه وغايته باقيًا دائمًا لا زوالَ له ولا فناء، ولا يضمحلُّ ولا يتلاشى (3) = دام تعلُّقه ونعيمه به بدوامه. فالوسائل تابعةٌ للغايات، والتّعلُّقات تابعةٌ لمتعلَّقاتها، والمحبّة تابعةٌ للمحبوب، فليس المحبوب الذي يتلاشى ويضمحلُّ ويفنى كالمحبوب الذي كلُّ شيءٍ هالكٌ إلّا وجهه، فالمحبُّ باقٍ