{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال صاحب «المنازل» (1): (باب البسط. قال الله تعالى:
{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11]
).
قلت: وجه تعلُّقه بإشارة الآية هو أن معناها: أنَّ الله سبحانه يُعيشكم فيما خلق لكم من الأنعام المذكورة. قال الكلبيُّ (2): يكثِّركم في هذا التزويج، ولولا هذا التزويج لم يكثر النسل. والمعنى: يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعله لكم أزواجًا، فإنَّ سبب خلقنا وخلق الحيوان: بالأزواج. والضمير في قوله:
{يَذْرَؤُكُمْ}
يرجع إلى الجعل. ومعنى الذَّرْء: الخلق، وهو هاهنا الخلق (3) الكثير، فهو خلقٌ وتكثير. فقيل: (في) بمعنى الباء، أي: يكثِّركم بذلك، وهذا قول الكوفيِّين (4). والصحيح: أنَّها على بابها، والفعل مضمَّن معنى (يُنشئكم) وهو يتعدَّى بـ (في)، كما قال تعالى:
{وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 61].
فهذا تفسير الآية.
ولمَّا كانت الحياة حياتين: حياة الأبدان وحياة الأرواح، وهو سبحانه هو الذي يحيي قلوب أوليائه وأرواحهم بإكرامه ولطفه وبسطه كان (5) ذلك تنميةً لها وتكثيرًا وذرءًا، والله أعلم.