{(44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} [الفرقان: 45]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل قال شيخ الإسلام (1): (باب المعاينة: قال الله تعالى:
{(44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} [الفرقان: 45]
). قلت: المعاينة مفاعلةٌ من العِيان، وأصلها من الرُّؤية بالعين، يقال: عاينَه إذا وقعت عينُه عليه، كما يقال: شافَهَه إذا كلَّمه شِفاهًا، وواجَهَه إذا قابله بوجهه. وهذا مستحيلٌ في هذه الدّار أن يظفر به بشرٌ. وأمّا قوله تعالى:
{(44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ}
فالرُّؤية واقعةٌ على نفس مدِّ الظِّلِّ، لا على الذي مَدَّه سبحانه، كما قال تعالى:
{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15]
، وقوله:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1].
فهاهنا أوقع الرُّؤية على نفس الفعل، وفي قوله:
{(44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ}
أوقعَها في اللّفظ عليه سبحانه، والمراد فِعْلُه من مدِّ الظِّلِّ، وهذا كلامٌ عربيٌّ بيِّنٌ معناه، غير محتملٍ ولا مجملٍ، كما قيل في العُزّى: كُفرانَكِ اليومَ لا سبحانَكِ، إنِّي رأيتُ الله قد أهانكِ (2). وهو كثيرٌ في كلامهم، يقولون: رأيتُ الله قد فعلَ كذا وكذا، والمراد رأيتُ فعْلَه. فالعيان والرُّؤية واقعٌ على المفعول، لا على ذاتِ الفاعل وصفتِه ولا فِعْلِه القائم به.