
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وهذا التفصيل يتضمَّن التفاوت الذي أشار إليه الشيخ في أوَّل الباب، فإنَّه ذكر في الدرجة الأولى أنَّ الانفصال شرطٌ في الاتِّصال، وقال هاهنا: (لا يترايا عندك في شهود التحقيق سببٌ يوصل بالانفصال منها إلى شيءٍ)، وهذا يناقض ما ذكره، ولا يجتمع معنى كلاميه، بل بينهما تفاوت التناقض؛ فأين شرط حصول الشيء من شهود عدم كونه سببًا وشرطًا؟!
والجواب عن هذا: أنَّ كون الشيء شرطًا وسببًا لحصول شيءٍ لا يناقض أن يكون عدمُ رؤيته شرطًا لحصول ذلك الشيء، فيكون حصوله مشروطًا بوجود ذلك الشيء في نفس الأمر وبعدم رؤية العبد له، فتكون الرُّؤية مانعةً، وإيضاح ذلك ببيان كلامه:
فقوله: (انفصالٌ عن رؤية الانفصال) يعني: أنَّ العبد يرى حالة الشُّهود أنّه انفصل عن الكونين، ثمَّ اتصل بجناب العزَّة، فيشهد اتِّصالًا بعد انفصالٍ. وهذه الرُّؤية في التحقيق ليست صحيحةً، لأنَّه لم ينفصل عن الكونين أصلًا، لكنَّه توهَّم ذلك، فإذا تبيَّن (1) أنَّه لم ينفصل عن الكونين فقد انفصل عن الانفصال المذكور، لتحقُّقه أنَّه لم يكن صحيحًا.
ثمّ بيَّن كيف يصحُّ له انفصاله عن انفصاله (2)، فقوله: (أن لا يترايا) أي: لا يظهر لك (3) (شيءٌ في شهود التحقيق) يكون هو السبب الموجب للاتصالِ (4)، فكأنَّه قال: أن تشهد التحقيق، فيريك شهوده أنَّك ما انفصلت