«فإذا أحببتُه كنتُ سمْعَه وبصَرَه»

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ولا تزال تلك الشّواهد تتكرّر وتتزايد حتّى تستقرّ، وينصبغ بها قلبه، وتصير الفترة غيرَ قاطعةٍ له، بل تكون نعمةً عليه، وراحةً له، وترويحًا وتنفيسًا عنه.
فهمّة المحبِّ (1) إذا تعلّقت روحه بحبيبه، عاكفة (2) على مزيد محبّته وأسباب قوّتها، فهو يعمل على هذا، ثمّ يترقّى منه إلى طلب محبّة حبيبه له، فيعمل على حصول ذلك، ولا يعدم الطّلب الأوّل ولا يفارقه البتّةَ، بل يندرج في هذا الطّلب الثّاني، فتتعلّق همّته بالأمرين (3) جميعًا، فإنّه إنّما يحصُلُ له منزلةُ «كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصَرَه الذي يبصر به» بهذا الأمر الثّاني، وهو كونه محبوبًا لحبيبه، كما قال في الحديث:
«فإذا أحببتُه كنتُ سمْعَه وبصَرَه»
، فهو يتقرّب إلى ربِّه حفظًا لمحبّته له، واستدعاءً لمحبّة ربِّه له.
فحينئذٍ يَشُدُّ مِئزرَ الجِدِّ في طلب محبّة حبيبه له بأنواع التّقرُّب إليه، فقلبه للمحبّة والإنابة والتّوكُّل والخوف والرّجاء، ولسانه للذِّكر وتلاوة كلام حبيبه، وجوارحه للطّاعات، فهو لا يَفتُر عن التّقرُّب.
وهذا هو السَّير المُفضِي إلى هذه الغاية التي لا تُنال إلّا به، ولا يُوصَل إليها إلّا من هذا الطّريق، وحينئذٍ تَجتمعُ له في سَيْره جميعُ متفرِّقات السُّلوك من الحضور والهيبة والمراقبة ونفي الخواطر وتخلية الباطن (4).