{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 8 - 9]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال صاحب «المنازل» (1): (باب الاتِّصال. قال الله تعالى:
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 8 - 9]
أَيْأَسَ (2) العقولَ فقطع البحثَ بقوله:
{أَوْ أَدْنَى}
).
كأنَّ الشيخ فهم من الآية: أنَّ الذي دنى فتدلَّى فكان من محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - (3) قاب قوسين أو أدنى: هو الله عزَّ وجلَّ. وهذا وإن قاله جماعةٌ من المفسِّرين، فالصحيح: أنَّ ذلك هو جبريل عليه الصلاة والسلام، فهو الموصوف بما ذُكر من أوَّل السُّورة إلى قوله:
{وَلَقَدْ رَأَىهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13 - 14].
هكذا فسَّره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:
قالت عائشة - رضي الله عنها -: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية، فقال: «ذاكِ جبريل، لم أره في صورته التي خلق عليها إلَّا مرَّتين» (4).
ولفظ القرآن لا يدلُّ على غير ذلك من وجوهٍ:
أحدها: أنَّه قال:
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5].
وهذا جبريل الذي وصفه بالقوَّة في سورة التكوير، فقال:
{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ}
.
الثاني: أنَّه قال:
{ذُو مِرَّةٍ} [النجم: 6]
أي: حَسَن الخَلْق، وهو الكريم