مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
السّماوات والأرض: لم تره، لم يلتفت إليهم.
ولعمر الله إنّا لا نُكذِّبه فيما أخبر به عن رؤيته، ولكن إنّما رأى صورة معتقده في ذاته ونفسه، لا الحقيقة في الخارج، فهذا أحد الغلطين. وسببه: قوّة (1) ارتباط حاسّة البصر بالقلب، فالعين مرآة القلب وشديدة الاتِّصال به، وينضمُّ إلى ذلك قوّة الاعتقاد، وضعفُ التّمييز، وغلبةُ حكم الحال على العلم، وسماعُه من القوم أنّ العلم حجابٌ.
والغلط الثّاني: أنّ الأمر كما اعتقده، وأنّ ما في الخارج مطابقٌ لاعتقاده، فيتولّد من هذين الغلطين مثل هذا الكشف والشُّهود.
ولقد أخبر صادق الملاحدة القائلين بوحدة الوجود: أنّهم كُشِفَ لهم (2) أنّ الأمر كما قالوه، وشهدوه في الخارج كذلك عيانًا، وهذا الكشف والشُّهود ثمرة اعتقادهم ونتيجته. فهذه إشارةٌ ما إلى الفرقان في هذا الموضع، والله أعلم.
فصل
قال (3): (وهي على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: مشاهدة معرفةٍ، تجري فوق حدود العلم، في لوائح نور الوجود، مُنِيخةً بفناء الجمع).
هذا بناءً على أصول القوم، وأنّ المعرفة فوق العلم، فإنّ العلم هو إدراك المعلوم ولو ببعض صفاته ولوازمه، والمعرفة عندهم إحاطةٌ بعين الشّيء