مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ببقاء محبوبه، يَشْرُف بشرفه، ويعظُم خطَرُه بحسب محبوبه، ويستغني بغناه، ويقوى بقوّته، ويعزُّ بعزّته، ويعظُم شأنه في النُّفوس بخدمته وإرادته ومحبّته. تالله لولا حجاب الغفلة والعوائد والهوى والمخالفات لذاقَ القلب أعظمَ الألم بتعلُّقه بغير الحبيب الأوّل، وذاقَ أعظم اللّذّة والسُّرور بتعلُّقه به، فالله المستعان. فصل قال الشّيخ (1): (البقاء: اسمٌ لما بقي قائمًا بعد فناء الشواهد وسقوطها). في هذه العبارة تسامحٌ، وأرباب هذا الشأن هِمَمُهم المعاني، فهم يُسامحون في العبارات ما لا يسامح فيه غيرهم. فالبقاء: هو الدّوام واستمرار الوجود، وهو نوعان: مقيّدٌ ومطلقٌ، فالمقيّد: البقاء إلى مدّةٍ، والمطلق: الدائم المستمرُّ لا إلى غايةٍ. والبقاء أوضحُ من هذا الحدِّ الذي ذكره، ولكن لمَّا كان مراده البقاء الذي هو صفة العبد ومقامه، قال: (هو اسمٌ لما بقي بعد فناء الشواهد)، وهذا عامٌّ في سائر أنواع ما بقي العبد متَّصفًا به بعد فناء الأدلَّة والآثار التي دلَّتْه على الحقيقة. و «الشّواهد» عنده هي الرُّسوم كلُّها، وربّما يراد بها معالم الشُّهود (2)، وهو الذي عناه فيما تقدّم، فإذا جعلت الشّواهد هاهنا معالم الشُّهود كان المعنى: أنّ المعالم تُوصِل إلى الشُّهود، ويبقى الشُّهود قائمًا بعد فناء معالمه.