
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
خذ ما تراه ودع شيئًا سمعتَ به (1)
وقالوا للناس: خلُّوا لنا الدُّنيا، ونحن قد خلَّينا لكم الآخرة، فإذا طلبتم منَّا ما بأيدينا أحلناكم على الآخرة.
أناسٌ يُقَضُّون عيشَ النعيم ... ونحن نُحال على الآخرَهْ
فإن لم تكن مثلما يزعمون ... فتلك إذًا كرَّةٌ خاسرَهْ (2)
فالإيمان بالصِّفات ومعرفتُها، وإثباتُ حقائقها، وتعلُّقُ القلب بها، وشهودُه لها= هو مبدأ الطريق ووسطه وغايته. وهو روح السالكين، وحاديهم إلى الوصول، ومحرِّكُ عزماتهم إذا فتروا، ومثيرُ هِمَمهم إذا قصروا؛ فإنَّ سيرهم إنّما هو على الشواهد، فمن لا شاهد له لا سيرَ له ولا طلب ولا سلوك، وأعظم الشواهد: شواهد صفات محبوبهم ونهايةِ مطلوبهم، وذلك هو العَلَم الذي رُفع لهم في السَّير فشمَّروا إليه، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد رآه غاديًا رائحًا، لم يضع لبنةً على لبنةٍ، ولكن رُفع له عَلَمٌ فشمَّر إليه (3).
ولا يزال العبد في التواني والفتور والكسل، حتَّى