{ذُو مِرَّةٍ}

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يجوز أن يخالَف بين المفسِّر من غير دليلٍ. السابع: أنَّه سبحانه ذكر في هذه السُّورة الرسولين الكريمين: الملكيَّ والبشريَّ، ونزَّه البشريَّ عن الضلال والغِواية، والملكيَّ عن أن يكون شيطانًا قبيحًا ضعيفًا، بل هو قويٌّ كريمٌ حَسَن الخَلْق. وهذا نظير المذكور في سورة التّكوير سواءً. الثامن: أنّه أخبر هناك أنَّه رآه بالأفق المبين، وهاهنا أنَّه رآه بالأفق الأعلى، وهو واحدٌ وُصِف بصفتين، فهو مبينٌ وأعلى، فإنَّ الشيء كلَّما علا بانَ وظهر. التاسع: أنَّه قال:
{ذُو مِرَّةٍ}
، والمرَّة: الخَلْق الحَسَن المُحكَم، فأخبر عن حُسن خَلْق الذي علَّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ ساق الخبر كلَّه عنه نسقًا واحدًا. العاشر: أنَّه لو كان خبرًا عن الربِّ تعالى لكان القرآن قد دلَّ على أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ربَّه مرَّتين: مرَّةً بالأفق، ومرّةً عند سدرة المنتهى (1)، ومعلومٌ أنَّ الأمر لو كان كذلك لم يقل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذرٍّ وقد سأله: هل رأيت ربّك؟ فقال:
«نورٌ، أنَّى أراه؟!» (2).
فكيف يخبر القرآن أنَّه رآه مرَّتين ثمَّ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«أنَّى أراه»
؟ وهذا أبلغ من قوله: لم أَرَه، لأنَّه مع النفي يقتضي الإخبار عن عدم الرُّؤية فقط، وهذا يتضمَّن النفي وطرفًا من الإنكار على السائل، كما إذا قال لرجلٍ: هل كان كيت وكيت؟ فيقول: كيف يكون ذلك؟!