«ما من نفسٍ تموت لها عند الله خيرٌ يَسُرُّها أن ترجع إلى الدُّنيا وأنّ لها الدُّنيا وما فيها، إلّا الشّهيد، فإنّه يتمنّى الرُّجوع إلى الدُّنيا، لِما يرى من كرامة الله» (1).

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وعلى همّةٍ تُؤثِر الأعلى على الأدنى، وما ذاك إلّا بتوفيقِ مَن أزِمّةُ الأمور بيديه، ومنه ابتداء كلِّ شيءٍ وانتهاؤه إليه، أقعَدَ نفوسَ من غلبت عليهم الشّقاوة عن السّفر إلى هذه الدّار، وجذَبَ قلوبَ من سبقت لهم منه الحسنى، وأقامهم في الطّريق، وسهّل عليهم ركوبَ الأخطار، فأضاع أولئك مراحلَ أعمارهم مع المتخلِّفين، وقطع هؤلاء مراحلَ أعمارهم مع السّائرين، وعَقِدَت الغبرةُ وثار العَجَاجُ، فتوارى عنه السائرون والمتخلِّفون. وسينجلي عن قريبٍ، فيفوز العاملون، ويخسر المبطلون.
وعن طيب هذه الحياة ولذّتها قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«ما من نفسٍ تموت لها عند الله خيرٌ يَسُرُّها أن ترجع إلى الدُّنيا وأنّ لها الدُّنيا وما فيها، إلّا الشّهيد، فإنّه يتمنّى الرُّجوع إلى الدُّنيا، لِما يرى من كرامة الله» (1).
يعني لِيُقْتَلَ مرّةً أخرى. وسمع بعض العارفين منشدًا ينشد (2):
إنّما العيشُ في بَهيميَّةِ اللَّذْ ... ذَةِ لا ما يقولُه الفلسفيُّ
حكْمُ كأسِ المَنُونِ أن يتساوى ... في حَسَاها البليدُ والألمعيُّ (3)
ويصير الغبيُّ تحتَ ثرى الأر ... ضِ كما صار تحتَها اللَّوذعيُّ
فسَلِ الأرضَ عنهما إن أزالَ الشَّـ ... كَّ والشُّبهةَ السُّؤالُ الخفيُّ
فقال: قاتله الله، ما أشدَّ معاندتَه للدِّين والعقل! هذا نفسُ عدوِّ الفطرة والشّريعة والعقل والإيمان والحكمة، يا مسكين أمن أجلِ أنّ الموت تَساوى