{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل قال صاحب «المنازل» (1): (باب المكاشفة. قال الله تعالى:
{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10]
). ووجه احتجاجه بإشارة الآية: أنه سبحانه كشف لعبده ما لم يكشفه لغيره، وأطلعَه على ما لم يُطلِع عليه غيره، فحصل لقلبه الكريم من انكشافِ الحقائق التي لا تخطر ببالِ غيره ما خصَّه الله به. والإيحاء هو الإعلام السّريع الخفيُّ، ومنه الوَحَا الوَحَا؛ أي: الإسراعَ الإسراعَ. وقوله:
{مَا أَوْحَى}
أبهمه لعِظَمِه، فإنّ الإبهام قد يقع للتّعظيم، ونظيره:
{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78]
، أي: أمرٌ عظيمٌ فوق الصِّفة. قال الشيخ (2): (المكاشفة: مُهاداة السِّرِّ بين متباطنَين). يريد أنَّ المكاشفة إطْلاعُ أحد المتحابَّينِ المتصافيينِ صاحبَه على باطن أمره وسرِّه. وقوله: (مهاداة السِّرِّ) أي: تردُّد السِّرِّ على وجه الإلطاف والمودّة. وقوله: (بين متباطنينِ) يعني بالمتباطنين: باطن المكاشِف والمكاشَف، فيحمل سرُّ كلٍّ منهما إلى الآخر كما يحمل إليه هديّته، فيَسرِي سرُّ كلِّ واحدٍ منهما إلى الآخر. وإذا بلغ العبد في مقام المعرفة إلى حدٍّ كأنّه يطالع ما اتّصف به الرّبُّ سبحانه من صفات الكمال ونعوت الجلال، وأحسَّتْ روحُه