«إنّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِضُ القِسطَ ويرفعه. يُرفَع إليه عمل اللّيلُ قبلَ النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل. حجابه النُّور، لو كشَفَه لأحرقَتْ سُبُحاتُ وجهِه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه».

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
القلب، وقوي سلطانها، وزالت الموانع والحُجُب عن القلب. ولا يُنِكر هذا إلّا من ليس من أهله. ولا يَعتقد أنّ الذّات المقدّسة والأوصاف برزَتْ وتجلَّتْ للعبد كما تجلّى سبحانه للطُّور، وكما يتجلّى للناس يومَ القيامة= إلّا غالطٌ فاقدٌ للعلم. وكثيرًا ما يقع الغلط من التّجاوز من نور العبادات والرِّياضة والذِّكر (1) إلى نور الذّات والصِّفات. فإنّ العبادة الصّحيحة والرِّياضة الشّرعيّة والذِّكر المتواطئ عليه القلب واللِّسان يُوجِب نورًا على قدر قوّته وضعفه، وربّما قوي ذلك النُّور حتّى يشاهد بالعيان، فيغلط فيه ضعيف العلم والتّمييز بين خصائص الرُّبوبيّة ومقتضيات العبوديّة، فيظنُّه نور الذّات، وهيهات ثمّ هيهات! نور الذّات لا يقوم له شيءٌ، ولو كشفَ سبحانه الحجابَ عنه لتَدكْدَكَ العالم كلُّه، كما تدكدكَ الجبلُ وساخَ لمّا ظهر له ذلك القدر اليسير من التّجلِّي. وفي «الصّحيح» (2) عنه - صلى الله عليه وسلم -:
«إنّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِضُ القِسطَ ويرفعه. يُرفَع إليه عمل اللّيلُ قبلَ النّهار، وعمل النّهار قبل اللّيل. حجابه النُّور، لو كشَفَه لأحرقَتْ سُبُحاتُ وجهِه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه».
فالإسلام له نورٌ، والإيمان له نورٌ أقوى منه، والإحسان له نورٌ أقوى منهما. فإذا اجتمع نور الإسلام والإيمان والإحسان، وزالت الحُجُب