{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
لحظ العين. والله أعلم.
قوله: (ملاحظة الفضل سبقًا) , الفضل: هو العطاء الإلهيُّ, والسّبق: هو ما سبق به له التقديرُ (1) قبل خروجه إلى الدُّنيا. كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101].
وقال:
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173].
وهذا الكلام يُفسَّر على معنيين، أحدهما: أنّ العبد إذا رأى أنَّ ما قدّره الله له قد سبق به تقديره، وهو واصلٌ إليه لا مَحالةَ، ولا بدَّ أن يناله= سكنَ جَأْشُه، واطمأنَّ قلبه، ووطّن نفسه، وعلم أنّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئه، وما أخطأه لم يكن لِيُصِيبه (2)، وأنّه ما يفتح الله له من رحمةٍ فلا مُمسِكَ لها، وما يُمسِكه عنه فلا مُرسِلَ له من بعده (3). فإذا تيقَّن ذلك وذاق طعمَ الإيمان به قطعَ ذلك عليه طريقَ الطّلب من ربِّه، لأنّ ما سبقَ له به القدرُ كائنٌ واصلٌ إليه لا مَحالة.
ثمّ استدرك الشّيخ أنّ العبد لا بدَّ له من سؤال ربِّه، والطّلب منه، فقال: (إلّا ما استحقَّتْه الرُّبوبيّة من إظهار التّذلُّل لها)، أي لا يعتقد أنّ سؤاله وطلبه يجلب له ما ينفعه، ويدفع عنه ما يحذره، فإنّ القدر السّابق قد استقرّ بوصول