{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وهذا العارض عند القوم هو إرادة السِّوى، فإنّ كلّ ما سوى الله فهو عارضٌ. وإرادة السِّوى: تُوقِف (1) السّالك، وتُنكِّس الطّالب، وتَحجُب الواصل. فإيّاك وإرادةَ السِّوى وإن علا، فإنّك تُحجَب عن الله بقدر إرادتك لغيره. قال تعالى إخبارًا عن عباده المقرّبين:
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].
وقال:
{(51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52].
وقال:
{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19 - 20].
قوله: (ولا تُكدِّره تفرقةٌ)، الكدر: ضدُّ الصّفاء، والتّفرقة: ضدُّ الجمعيّة. والجمعيّة هي جمع القلب والهمّة على الله بالحضور معه بحال الأنس، خاليًا من تفرقة الخواطر. والتّفرقة من أعظم مُكدِّرات القلب، وهي تُزِيل الصّفاء الذي أثمره له الإسلام والإيمان والإحسان، فإنّ القلب يصفو بذلك، فتجيء التّفرقة فتُكدِّر عليه ذلك الصّفاء، وتُشعِّث القلب، فيجد الصّادق ألَمَ ذلك الشَّعَث وأذاه، فيجتهد في لَمِّه، ولا يَلُمُّ شَعَثَ القلوب شيءٌ غير الإقبال على الله والإعراضِ عمّا سواه، فهناك يُلَمُّ شَعَثُه، ويزول كَدَره، ويصحُّ سَقَمُه (2)، ويجد روحَ الحياة، ويذوق طعم الحياة المَلَكيّة.
فصل
قال (3): (الدّرجة الثّالثة: ذوقُ الانقطاع طعْمَ الاتِّصال، وذوقُ الهمّة طعْمَ الجمع، وذوقُ المسامرة طعْمَ العيان).