
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وكثيرٌ (1) ما ينطق صاحب السّكينة بكلامٍ لم يكن عن فكرةٍ منه ولا رويّةٍ، ولا هيَّأَه، ويستغربه هو من نفسه كما يستغرب السّامع له. وربّما لم يعلم بعد انقضائه بما صدر منه. وأكثر ما يكون هذا عند الحاجة، وصدق الرّغبة من السّائل والمُجالس، وصدقِ الرّغبة منه هو إلى الله، والإسراعِ بقلبه إلى بين يديه وحضرته، مع تجرُّدِه من الهوى، وتجريدِه النّصيحةَ لله ورسوله وعباده، وإزالةِ نفسِه من البين. ومن جرَّب هذا عرفَ قَدْرَ منفعته وعظَّمها، وساء ظنُّه بما يُحسِن به الغافلون ظنونَهم من كثيرٍ من كلام النّاس. وقوله: (وليست شيئًا يُملَك)، يعني هي موهبةٌ من الله تعالى ليست بسببيّةٍ ولا كسبيّةٍ، وليست كالسّكينة التي كانت في التّابوت تُنْقَل (2) معهم كيف شاؤوا. وقوله: (تُلقي على لسان المحدَّث الحكمةَ)، أي يجري الصّواب على لسانه. وقوله: (كما يُلقِي الملَكُ الوحي على قلوب الأنبياء عليهم السّلام). يعني: أنّها بواسطة الملائكة، بحيث تتلقَّي قلوبُ أربابها الحكمةَ عنهم والطُّمأنينة والصّواب، كما أنّ الأنبياء تتلقّى الوحي عن الله تعالى بواسطة الملائكة. ولكن ما للأنبياء مختصٌّ بهم، لا يُشاركهم فيه غيرهم. وهو نوعٌ آخر.