
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
لفظ «السِّرِّ» يطلق في لسانهم ويراد به أمورٌ:
أحدها: اللّطيفة المودَعة في هذا القالب، التي بها حصل له الإدراك والمحبّة والإرادة والعلم. وذلك هو الرُّوح.
الثّاني: معنًى قائمٌ بالرُّوح، نسبته إلى الرُّوح كنسبة الرُّوح إلى البدن. وغالبُ ما يريدون به هذا المعنى.
وعندهم: أنّ القلب أشرف ما في البدن، والرُّوح أشرف من القلب، والسِّرّ ألطفُ من الرُّوح (1).
وعندهم: للسِّرِّ سرٌّ آخر لا يطّلع عليه غير الحقِّ سبحانه وتعالى، وصاحبه لا يطّلع عليه. وإن اطّلع على سرِّه فيقولون: السِّرُّ ما لكَ عليه إشرافٌ، وسرُّ السِّرِّ ما لا اطِّلاعَ عليه لغير الحقِّ سبحانه (2).
والمعنى الثّالث: يراد به ما يكون مَصُونًا مكتومًا بين العبد وبين ربِّه، من الأحوال والمقامات. كما قال بعضهم: أسرارنا بِكرٌ، لم يَفْتضَّها وهمُ واهمٍ (3). ويقول قائلهم: لو عَرفَ زِرِّي سرِّي لطرحتُه (4).
والمقصود قوله: «ينبت في الأسرار الطّاهرة». يعني: الطّاهرة من كَدَر الدُّنيا والاشتغال بها، وعلائقِها التي تعوق الأرواح عن ديار الأفراح، فإنّ هذه