
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
المشهد العاشر: مشهد الأسوة، وهو مشهدٌ لطيفٌ شريفٌ جدًّا، فإنّ العاقل اللّبيب يرضى أن يكون له أسوةٌ برسل الله وأنبيائه وأوليائه وخاصَّتِه من خلقه، فإنّهم أشدُّ الخَلْق امتحانًا بالنّاس، وأذى النّاسِ إليهم أسرعُ من السَّيل في الحَدُور. ويكفي تدبُّر قصص الأنبياء عليهم السّلام مع أممهم، وشأنِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - وأذى أعدائه له بما لم يُؤذَ به مَن (1) قبله. وقد قال له ورقة بن نوفلٍ: لَتُكذَّبنَّ ولتُخْرَجَنّ ولَتُؤْذَيَنّ (2). وقال له: ما جاء أحدٌ بمثل ما جئتَ به إلّا عُودِي (3). وهذا مستمرٌّ في ورثته كما كان (4) في موروثهم - صلى الله عليه وسلم -.
أفلا يرضى العبد أن يكون له أسوةٌ بخيار خَلْق الله وخواصِّ عباده: الأمثل فالأمثل؟
ومن أحبَّ معرفة ذلك فليقفْ على مِحَن العلماء، وأذى الجهّال لهم. وقد صنّف في ذلك ابن زَبْر (5) كتابًا سمّاه «مِحَن العلماء».