«فإنّ الوقت وَحِيُّ التّقضِّي»

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
لم تقطَعْه قَطَعك (1).
ثمّ بيّن الشّيخ - رحمه الله - السّببَ في كون هذه الغيرة قاتلةً، فقال:
«فإنّ الوقت وَحِيُّ التّقضِّي»
، أي سريع الانقضاء، كما تقول العرب: الوحَى الوحَى، أي: العجل العجل، والوحْيُ: الإعلام في خفاءٍ وسرعةٍ، ويقال: جاء فلانٌ وحيًا أي مجيئًا سريعًا.
فالوقت منقضٍ بذاته، مُتَصرِّمٌ (2) بنفسه. فمن غفل عن نفسه تصرَّمتْ أوقاته، وعظم فَواته، واشتدّتْ حسراته. فكيف حاله إذا علم عند تحقُّق الفوت مقدارَ ما أضاع، وطلب الرُّجعى فحِيلَ بينه وبين الاسترجاع، وطلب تناول الفائت؟
وكيف يردُّ الأمس في اليوم الجديد؟ وأنّى له التّناوشُ من مكانٍ بعيدٍ؟ (3) ومُنِع ممّا يحبُّه ويرتضيه، وعلم أنّ ما اقتناه ليس ممّا ينبغي للعاقل يقتنيه، وحِيلَ بينه وبين ما يشتهيه (4).
فيا حَسَراتٍ ما إلى ردِّ مثلها ... سبيلٌ ولو رُدَّتْ لهانَ التَّحسُّرُ ... هي الشّهواتُ اللَّاءِ كانت تحوَّلتْ ... إلى حَسَراتٍ حينَ عَزَّ التّصبُّرُ