{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
التّاسعة: التّعبُّد، وهو فوق التّتيُّم. فإنّ العبد الذي قد ملك المحبوبُ رِقَّه فلم يبقَ له شيءٌ من نفسه البتّةَ، بل كلُّه عبد لمحبوبه ظاهرًا وباطنًا. وهذا هو حقيقة العبوديّة، ومن كمَّلَ ذلك فقد كمَّلَ مرتبتها.
ولمّا كمّلَ سيِّد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - هذه المرتبة وصفَه الله بها في أشرفِ مقاماته: مقامِ الإسراء كقوله:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]
، ومقام الدّعوة كقوله:
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19]
، ومقام التّحدِّي كقوله:
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23].
وبذلك استحقّ التّقديم على الخلائق في الدُّنيا والآخرة.
ولذلك يقول المسيح عليه السّلام لهم إذا طلبوا منه الشّفاعة بعد الأنبياء عليهم السّلام:
«اذهبوا إلى محمّدٍ، عبدٍ غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر» (1).
فسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: فحصلتْ له تلك المرتبة بتكميل عبوديّته لله تعالى، وكمالِ مغفرة الله له.
وحقيقة العبوديّة: الحبُّ التّامُّ، مع الذُّلِّ التّامِّ والخضوع للمحبوب. تقول العرب: طريقٌ مُعبَّدٌ، أي قد ذَلَّلته الأقدام وسَهَّلته (2).
العاشرة: مرتبة الخُلَّة التي انفرد بها الخليلان (3) إبراهيم ومحمّدٌ صلّى