
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وفي قوله: (ينبت على حافات المنن) أي جوانبه: إشارةٌ إلى عدم تمكُّنها وقوّتها، وأنّها من نباتِ الحافات التي هي جوانب (1) المنن، لا من نبات الأسماء والصِّفات. قوله: (فعلق قلبه بصفاته المقدّسة)، يعني الصِّفات المختصّة بالمِنَن والإحسان: كالبَرِّ، والمحسن، والجواد، والمعطي، والغفور، ونحوها. وقوله: (المقدّسة)، يعني المطهَّرة المنزَّهة عن تأويل المحرِّفين وتشبيه الممثِّلين. وإنّما قلنا: إنّ مراده هذه الصِّفات الخاصّة لوجهين: أحدهما: أنّ تعلُّق القلب بالصِّفات العامّة إنّما يكون في الدّرجة الثّالثة. الثّاني: أنّه جعل ثمرة هذا التّعلُّق شوقَ العبد إلى معاينة لطائف كرم الرّبِّ ومننه وإحسانه وآيات برِّه, وهي علامات بِرِّه بالعبد وإحسانه إليه، وكذلك أعلام فضله، وهو ما يُفضِّله به على غيره. وقوله: (وهذا شوقٌ تَغْشاه المَبارُّ)، يعني: أنّه شوقٌ معلولٌ، ليس خالصًا لذات المحبوب. بل لِما ينال منه من المَبارِّ، فقد غَشِيَتْه ــ أي أدركتْه ــ المَبارُّ. وقوله: (وتُخالجه المَسارُّ)، أي تُجاذبه، فإنّ المخالجة هي المجاذبة، فإذا خالط هذا الشّوق الفرح كان ممزوجًا بنوعٍ من الحظِّ. وقوله: (ويُقاومه الاصطبار)، أي أنّ صاحبه يقوى على الصّبر، فيقاوم صبره شوقه (2) ولا يغلب، بخلاف الشّوق في الدّرجة الثّالثة.