«مَن أفطر يومًا من رمضان متعمِّدًا من غير عذرٍ، لم يَقْضِه عنه صيامُ الدّهر وإن صامَه».

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المريدون هم أرباب الأحوال، والعُبَّاد أرباب الأوراد والعبادات. وكلُّ مريدٍ عابدٌ، وكلُّ عابدٍ مريدٌ. لكنّ القوم خَصُّوا أهلَ المحبّة وأذواق حقائق الإيمان باسم «المريد»، وخَصُّوا أصحاب العمل المجرّد باسم «العابد». وكلُّ مريدٍ لا يكون عابدًا فزنديقٌ، وكلُّ عابدٍ لا يكون مريدًا فمُراءٍ.
و الوقت عند العابد: هو وقت العبادة والأوراد، وعند المريد: هو وقت الإقبال على الله، والجمعيّة عليه، والعكوف عليه بالقلب كلِّه.
والوقت أعزُّ شيءٍ عليه، يَغار عليه أن ينقضي بدون ذلك. فإذا فاته الوقت فلا يمكنه استدراكُه البتّةَ، لأنّ الوقت الثّاني قد استحقّ واجبه الخاصّ، فإذا فاته وقتٌ (1) فلا سبيلَ له إلى تداركه. كما في «المسند» (2) مرفوعًا:
«مَن أفطر يومًا من رمضان متعمِّدًا من غير عذرٍ، لم يَقْضِه عنه صيامُ الدّهر وإن صامَه».
قوله: (وهي غيرةٌ قاتلةٌ) يعني: مُضِرّة ضررًا شديدًا بيِّنًا يُشبِه القتل، لأنّ حسرة الفوت قاتلةٌ، ولا سيّما إذا علم المتحسِّر أنّه لا سبيل له إلى الاستدراك.
وأيضًا فالغيرة على التّفويت تفويتٌ آخر، كما يقال: الاشتغال (3) بالنّدم على الوقت الفائت تضييعٌ للوقت الحاضر ولذلك يقال: الوقت سيفٌ، فإن