«إنّ الله اتّخذني خليلًا، كما اتّخذ إبراهيم خليلًا» (1).
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الله عليهما وسلّم كما صحّ عنه:
«إنّ الله اتّخذني خليلًا، كما اتّخذ إبراهيم خليلًا» (1).
وقال:
«لو كنت متّخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتّخذت أبا بكرٍ خليلًا، ولكنّ صاحبكم خليل الرّحمن» الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وجندب - رضي الله عنهم -." data-margin="2">(2).
والحديثان في «الصّحيح».
وهما يُبطِلان قولَ من قال: الخلّة لإبراهيم والمحبّة لمحمّدٍ، فإبراهيم خليله ومحمّدٌ حبيبه (3).
والخُلَّة هي المحبّة التي تخلَّلتْ روحَ المحبِّ وقلْبَه، حتّى لم يبقَ فيه موضعٌ لغير محبوبه، كما قيل (4):
قد تَخلَّلْتِ مسلكَ الرُّوحِ منِّي ... وبذا سُمِّي الخليلُ خليلًا
وهذا هو السِّرُّ الذي لأجله ــ والله أعلم ــ أُمر الخليل بذبح ولدِه وثمرةِ فؤادِه وفِلْذَة كبدِه، لأنّه لمّا سأل الولدَ فأُعطِيَه تعلّقتْ به شعبةٌ من قلبه. والخلّة منصبٌ لا يقبل الشّركة والقسمة، فغارَ الخليل على خليله أن يكون في قلبه موضعٌ لغيره، فأَمره بذبح الولد ليخرج المزاحم من قلبه. فلمّا وطَّن نفسَه على ذلك، وعزم عليه عزمًا جازمًا، حصل مقصود الأمر، فلم يبقَ في إزهاقِ نفس الولد مصلحةٌ. فحالَ بينه وبينه، وفَداه بالذِّبح العظيم. وقيل له: