«اتَّقوا فراسةَ المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله»

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقال الدّارانيُّ - رحمه الله -: الفراسة مكاشفة النّفس (1) ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإيمان (2).
وسئل بعضهم عن الفراسة؟ فقال: أرواحٌ تتقلَّبُ في الملكوت، فتُشرِف على معاني الغيوب، فتَنطِق عن أسرار الخلق، نُطْقَ مشاهدةٍ لا نُطْقَ ظنٍّ وحسبانٍ (3).
وقال أبو عمرو بن نُجيدٍ: كان شاه الكرمانيُّ حادَّ الفراسة، لا يخطئ، ويقول: من غضَّ بصرَه عن المحارم، وأمسك نفسَه عن الشّهوات، وعَمَرَ باطنَه بدوام المراقبة وظاهرَه باتِّباع السُّنّة، وتعوَّدَ أكلَ الحلال= لم تُخطِئْ فراسته (4).
وقال أبو جعفرٍ الحدّاد: الفراسة أوّل خاطرٍ بلا مُعارضٍ، فإن عارضه معارضٌ من جنسه فهو خاطرٌ وحديثُ نفسٍ (5).
وقال أبو حفصٍ النّيسابوريُّ: ليس لأحدٍ أن يدَّعي الفراسة، ولكن يتّقي الفراسة من الغير (6)، لأنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:
«اتَّقوا فراسةَ المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله»
. ولم يقل: «تفرّسوا». وكيف تصحُّ دعوى الفراسة لمن هو في محلِّ اتِّقاء