
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة البسطة (1)، والتّخلِّي عن القبض (2).
وهي منزلةٌ شريفةٌ لطيفةٌ، وهي صِوانٌ (3) على الحال، وداعيةٌ لمحبّة الخلق.
وقد غلِطَ صاحب «المنازل» - رحمه الله - حيث صدّرها بقوله تعالى حكايةً عن كليمه موسى عليه السّلام أنه قال: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155]. وكأنّه فهمَ من هذا الخطاب: انبساطٌ (4) بين موسى وبين الله تعالى حَمَلَه على أن قال: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}.
وسمعت بعض الصُّوفيّة يقول لآخر وهما في الطّواف: لمّا قال: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} تداركَ هذا الانبساطَ بالتّذلُّل والتملُّق بقوله: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} [الأعراف: 155]، أو نحو هذا من الكلام.
وكلُّ هذا وهمٌ وفهمٌ خلاف المقصود، فالفتنة هاهنا: هي الامتحان