مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أحدهما: أنّ ملاحظة عينِ الجمع يُفيد صاحبَه مطالعةَ السّوابق التي ابتدأه الله بها، فيفيده ملاحظةُ عينِ الجمع نظرةً إلى أوّليّة الرّبِّ تعالى في كلِّ شيءٍ.
ويحتمل أن يريد بالبدايات بدايات سلوكه، وحدّة طلبه. فإنّه في حال سلوكه لا يلتفت إلى ما وراءه، لشدّة شغله بما بين يديه، وغلبةِ أحكام الهمّة عليه، فلا يتفرّغ لمطالعة بداياته. فإذا لاحظ عينَ الجمع قطعَ السُّلوك الأوّل، وبقي له سلوكٌ ثانٍ. فتفرّغَ (1) حينئذٍ إلى مطالعة بداياته، ووجدَ اشتياقًا إليها.
كما قال الجنيد - رحمه الله -: واشوقًا إلى أوقات البداية (2). يعني لذّة أوقات البداية، وجمع الهمّة على الطّلب، والسّير إلى الله. فإنّه كان مجموعَ الهمّة على السّير والطّلب، فلمّا لاحظ عين الجمع فنيتْ رسومه، وهو لا يمكنه الفناء عن بشريّته وأحكام طبيعته. فتقاضَتْه طباعُه ما فيها، فلزِمتْه الكُلَف، فارتاح إلى أوقات البدايات، لِما كان فيها من لذّة الإعراض عن الخلق واجتماع الهمّة.
ومرّ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - على رجلٍ وهو يبكي من خشية الله، فقال: هكذا كنّا حتّى قَسَتْ قلوبنا (3).
وقد أخبر النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ لكلِّ عاملٍ شِرّةً، ولكلِّ شِرّةٍ فَتْرة (4).