
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
النفس وتهذيب الأخلاق يتيسَّر (1) بطريق (2) الرِّياضات والمجاهدات والخلوات، هيهات هيهات! إنّما يُوقِع ذلك في الآفات والشُّبهات والضّلالات، فإنّ تزكية النُّفوس مسلَّمٌ إلى الرُّسل صلوات الله وسلامُه عليهم، وإنّما بعثَهم الله لهذه التّزكية وولَّاهم إيّاها، وجعلَها على أيديهم دعوةً وتعليمًا وبيانًا وإرشادًا، لا خَلقًا ولا إلهامًا، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]، وقال تعالى: {(150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا} [البقرة: 151 - 152].
وتزكية النُّفوس أصعبُ من علاج الأبدان وأشدُّ، فمن زكّى نفسَه بالرِّياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجئ بها الرُّسل (3) = فهو كالمريض الذي يعالج نفسَه برأيه دونَ معرفة الطّبيب. فالرُّسل أطبّاءُ القلوب، فلا سبيل إلى صلاحها وتزكيتها إلّا على أيديهم، وبمحض الانقيادِ والتّسليم لهم. والله المستعان.
فإن قلت: هل يمكن أن يكون (4) الخُلق كسبيًّا، أو هو أمرٌ خارجٌ عن الكسب؟