{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وهذا أيضًا هو العدل المذكور في قوله تعالى:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]
، أي يعدلون به غيرَه في العبادة التي هي المحبّة والتّعظيم. وهذا أصحُّ القولين (1). وقيل: الباء بمعنى «عن»، والمعنى: ثمّ الذين كفروا بربهم يعدلون إلى عبادة غيره. وهذا ليس بقويٍّ، إذ لا تقول العرب: عدلتُ بكذا أي عدلتُ عنه، وإنّما جاء هذا في فعل السُّؤال، نحو: سألتُ بكذا أي عنه، كأنّهم ضمَّنوه: اعتنيتُ به واهتممتُ ونحو ذلك. وقال تعالى:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
وهذه تُسمّى آية المحبّة. قال بعض السّلف (2): ادّعى قومٌ محبّة الله، فأنزل الله آية المحبة
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.
وقال:
{يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}
إشارةً إلى دليل المحبّة وثمرتها وفائدتها. فدليلها وعلامتها: اتِّباع الرّسول - صلى الله عليه وسلم -. وفائدتها وثمرتها: محبّة المرسل لكم. فما لم تحصل المتابعة فلا محبّتكم له حاصلةٌ، ومحبّته لكم منتفيةٌ. وقال تعالى:
{(53) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].
ذكر لهم أربع علاماتٍ: