{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وكذلك القولان أيضًا في قوله تعالى:
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].
والصّحيح: أنه ذِكره الذي أنزله على رسوله، وهو كتابه، مَن أعرض عنه قيّضَ له شيطانًا يُضِلُّه ويَصُدُّه عن السّبيل، وهو يحسب أنّه على هدًى. وكذلك القولان في قوله تعالى:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
والصّحيح: أنّه ذِكره الذي أنزله، وهو كتابه (1)، ولهذا يقول المعرض عنه:
{رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 125].
وأمّا تأويل من تأوّله على الحلف ففي غاية البعد عن المقصود، فإنّ ذكر الله بالحلف يجري على لسان الصّادق والكاذب، والبرِّ والفاجر، والمؤمنون تطمئنُّ قلوبهم إلى الصّادق ولو لم يحلف، ولا تطمئنُّ قلوبهم إلى من يرتابون به ولو حلف. وجعل سبحانه الطُّمأنينةَ في قلوب المؤمنين ونفوسهم، وجعل الغِبطةَ والمِدحةَ والبشارةَ بدخول الجنّة لأهل الطُّمأنينة، فطوبى لهم وحسنُ مآبٍ. وفي قوله:
{يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر: 27 - 28]
دليلٌ على أنّها لا ترجع إليه إلّا إذا كانت مطمئنّةً، فهناك ترجع إليه، وتدخل في عباده وتدخل جنّته. وكان من دعاء بعض السّلف: اللهمّ هَبْ لي نفسًا