{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113].
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأكمل الخلق في هذا هم الرُّسل، وأكملهم أولو العزم، وأكملهم محمّدٌ - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا امتنّ سبحانه عليه وعلى أمّته بما آتاهم من الحكمة، كما قال:
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113].
وقال تعالى:
{(150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا} [البقرة: 151].
وكلُّ نظام الوجود مرتبطٌ بهذه الصِّفة، وكلُّ خللٍ في الوجود وفي العبد فسببه: الإخلال بها. فأكملُ النّاس أوفرهم منها نصيبًا, وأنقصُهم وأبعدُهم عن الكمال أقلُّهم منها ميراثًا. ولها ثلاثة أركانٍ: العلم، والحلم، والأناة. وآفتها وأضدادها: الجهل، والطَّيش، والعَجَلة. فلا حكمةَ لجاهلٍ ولا طائشٍ ولا عَجولٍ. فصل قال (1): (الدّرجة الثّانية: أن تشهد نظر الله في وعده, وتعرِف عدلَه في حكمه, وتلحظَ برَّه في منعِه). أي تعرف الحكمة في الوعد والوعيد، وتشهد حكمه في قوله:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].
فتشهد عدله في وعيده، وإحسانَه في وعده، وكلٌّ قائمٌ بحكمته. وكذلك تعرف عدله في أحكامه الشّرعيّة والكونيّة الجارية على