مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وكذلك قول مؤمني الجنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الجن: 10]، ولم يقولوا (1): «أراده بهم». ثمّ قالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}.
وألطف من هذا قول موسى عليه السّلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، ولم يقل: «أطعِمْني».
وقول آدم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، ولم يقل: «ربِّ قدَّرتَ عليّ وقَضيتَ عليّ».
وقول أيُّوب عليه السّلام: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، ولم يقل: «فعافِني واشْفِني».
وقول يوسف عليه السلام لأبيه وإخوته: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِيَ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف: 100]، ولم يقل: «من الجبِّ»، حفظًا للأدب مع إخوته، وتفتِّيًا عليهم أن لا يُخجِلَهم بما جرى في الجبِّ. وقال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ولم يقل: «رفع عنكم جهدَ الجوع والحاجة» أدبًا معهم. وأضاف ما جرى إلى السّبب، ولم يُضِفه إلى المباشر الذي هو أقربُ إليه منه، فقال: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}، فأعطى الفتوّة والكرم والأدب حقّه. ولهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلّا للرُّسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
ومن هذا أَمْر النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرّجلَ أن يستُرَ عورتَه، وإن كان خاليًا لا يراه