مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثالث
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد عزير شمس
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 584
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عبد الله بن المبارك (1): إنّه أفضلُ من جُود البذل.
فلسان حال القدر يقول للفقير الجواد: إن لم أُعطِك مالًا تَجود به على النّاس، فجُدْ عليهم بأموالهم؛ تُزاحِمْهم (2) في الجود، وتنفرِدْ عنهم بالرّاحة.
ولكلِّ مرتبةٍ من مراتب الجود مَزيَّةٌ وتأثيرٌ خاصٌّ في القلب والحال، والله سبحانه قد ضَمِنَ المزيدَ للجواد، والإتلافَ على الممسِك (3). والله المستعان.
فصل
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (4): (الإيثار تخصيصٌ واختيارٌ. والأَثَرة تَحسُن طَوعًا، وتصحُّ كرهًا).
فرّق الشّيخ بين الإيثار والأثرة، وجعل الإيثار اختيارًا، والأثرة منقسمةً إلى اختياريّةٍ واضطراريّةٍ، وبالفرق بينهما يُعلَم معنى كلامه، فإنّ الإيثار هو البذلُ، وتخصيصُ مَن تُؤثِره على نفسك، وهذا لا يكون إلّا اختيارًا. وأمّا الأَثَرة فهي استئثار صاحب الشّيء به عليك، وحَوْزُه لنفسه دونك. فهذه لا يُحمَد عليها المستأثر عليه إلّا إذا كانت طوعًا، مثل أن يقدر على منازعته