
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
فقد علمت أنَّ من نزل في منزل التَّوبة وقام في مقامها نزل في جميع منازل الإسلام، وأنَّ التّوبة الكاملة متضمِّنةٌ لها وهي مندرجة فيها، ولكن لا بدّ من إفرادها بالذِّكر والتّفصيل تبيينًا لحقائقها وخواصِّها وشروطها.
فإذا استقرّت قدمه في منزل التّوبة نزل بعده منزل الإنابة، وقد أمر به تعالى (1) في كتابه، وأثنى على خليله به، فقال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 54]، وقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75].
وأخبر أنّ آياته إنّما يتبصّر بها ويتذكّر أهل الإنابة فقال: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 6 - 8]، وقال تعالى: {(12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ وَيُنزِلُ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ} [غافر: 13].
وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} [الروم: 30 - 31]، و {مُنِيبِينَ} منصوبٌ على الحال من الضّمير المستكنِّ في قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ}، لأنّ هذا الخطاب له ولأمَّته، أي: أقم وجهك أنت وأمّتك منيبين إليه، نظيره: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]، ويجوز أن يكون حالًا من المفعول في قوله {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}