
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال (1): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدرجة الأولى: رضا العامَّة، وهو الرِّضا بالله ربًّا، وتسخُّطُ عبادة ما دونه. وهذا قطب رحى الإسلام، وهو يطهِّر من الشِّرك الأكبر).
الرِّضا بالله ربًّا: أن لا يتَّخذ ربًّا غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره وينزل به حوائجه. قال تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164]، قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: سيِّدًا وإلهًا (2)، يعني فكيف أطلب ربًّا غيره وهو ربُّ كلِّ شيءٍ؟
وقال في أوّل السُّورة: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14] يعني معبودًا وناصرًا ومعينًا وملجًا، وهو من الموالاة التي تتضمَّن الحبَّ والطاعة.
وقال في وسطها: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114] أي: أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم، فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه؟ وهذا كتابه سيِّد الحكّام، فكيف نتحاكم إلى غير كتابه، وقد أنزله مفصَّلًا مبيَّنًا كافيًا شافيًا؟
وأنت إذا تأمَّلت هذه الآيات الثلاث حقَّ التأمُّل، رأيتها هي نفس الرِّضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ رسولًا، ورأيت الحديث مترجم عنها