
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الذين ذكرناهم ــ يعني قبل هذه الآية. وقال أبو رجاءٍ العُطارديُّ: معناه: إن يكفر بها أهل الأرض، فقد وكَّلنا بها أهل السماء وهم الملائكة. وقال ابن عباسٍ ومجاهدٌ: هم الأنصار وأهل المدينة (1). والصواب: أنَّ المراد من قام بها إيمانًا ودعوةً وجهادًا ونصرةً، فهؤلاء هم الذين وكّلهم الله بها.
فإن قلت: فهل يصحُّ أن يقال: إنَّ أحدًا وكيل الله؟
قلت: لا، فإنَّ الوكيل من يتصرَّف عن (2) موكِّله بطريق النِّيابة، واللهُ عزّ وجلّ لا نائب له، ولا يخلفه أحدٌ، بل هو الذي يخلف عبده كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمَّ أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» (3). على أنّه لا يمتنع أن يطلق ذلك باعتبار أنّه مأمورٌ بحفظ ما وُكِّل فيه ورعايته والقيام به (4).
وأمَّا توكيل العبد ربَّه فهو تفويضه إليه وعزلُ نفسه عن التصرُّف، وإثباته لأهله ووليِّه. ولهذا قيل في التوكُّل: إنَّه عزلُ النفس عن الرُّبوبيَّة وقيامُها بالعبوديَّة (5). وهذا معنى كون الربِّ وكيلَ عبده، أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه، لا أنه نائبه في التصرُّف.
فوكالة الربِّ عبده أمرٌ وتعبُّد وإحسانٌ إليه، وخلعةٌ منه عليه، لا عن ح