مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ} (1) [النحل: 30]، وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] وفسِّرت المعيشة الضّنك بعذاب القبر، والصَّحيح أنّها في الدُّنيا وفي البرزخ، فإنّ من أعرض عن ذكره الذي أنزله فله من ضيق الصّدر، ونكد العيش، وكثرة الخوف، وشدّة الحرص والتعب على الدُّنيا، والتحسُّر على فواتها قبل حصولها وبعد حصولها، والآلام التي في خلال ذلك = ما لا يشعر به القلب لسَكرته وانغماسه في السُّكر (2)، فهو لا يصحو ساعةً إلَّا شعر (3) بهذا الألم فبادر إلى إزالته بسكرٍ ثانٍ، فهو هكذا مدَّة حياته، وأيُّ معيشة أضيق من هذه لو كان للقلب شعورٌ؟
فقلوب أهل البدع، والمعرضين عن القرآن، وأهل الغفلة عن الله، وأهل المعاصي في جحيمٍ قبل الجحيم الكبرى (4)، وقلوب الأبرار في نعيمٍ قبل النعيم الأكبر؛ {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13 - 14]. هذا في دورهم الثلاثة، ليس مختصًّا بالدّار الآخرة، وإن كان تمامه وكماله