
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وأمَّا (تصفية الأعمال بالإخلاص)، فهو تجريدها عن أن يشوبها باعثٌ لغير الله، وهو عبارةٌ عن توحيد المراد وتجريد الباعث إليه.
وأمَّا (توفير الحقوق في المعاملة)، فهو أن تعطي ما أُمرتَ به من حقِّ الله وحقوق العباد كاملًا موفَّرًا، قد نصحتَ فيه صاحب الحقِّ غاية النُّصح وأرضيتَه كلَّ الرِّضا، ففزتَ بحمده لك وشكره.
ولمَّا كانت هذه الثلاثة شاقَّةً على النفس جدًّا كان تكلُّفها رياضةً، فإذا اعتادها صارت خُلُقًا.
قال (1): (ورياضة الخاصَّة: حسم التفرُّق، وقطع الالتفات إلى المقام الذي جاوزه، وإبقاء العلم يجري مجراه).
يريد بحسم التفرُّق قطع ما يفرِّق قلبك عن الله بالجمعيَّة عليه والإقبال عليه بكلِّيَّتك (2)، حاضرًا معه بقلبك كلِّه، لا تلتفت إلى غيره.
وأمّا (قطع الالتفات إلى المقام الذي جاوزه)، فهو أن لا يشتغل باستحسان علوم ذلك المقام ولذَّته واستحسانه، بل يَلهى عنه معرضًا مقبلًا على الله، طالبًا للزِّيادة، خائفًا أن يكون ذلك المقام له حجابًا يقف عنده عن السَّير، فهمَّته حفظُه، ليس له همَّة ولا قوَّة أن ينهض إلى ما فوقه. ومن لم تكن همَّته التقدُّم فهو في تأخُّرٍ ولا يشعر، فإنَّه لا وقوف في الطبيعة ولا في السَّير، بل إمَّا إلى قُدَّام وإمَّا إلى وراء، فالسالك الصادق لا ينظر إلى وراء، ولا يسمع النِّداء إلَّا مِن أمامه لا من ورائه.