مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وحالًا ضروريَّةٌ، لا عوض لهم عنه البتَّة.
وهذا القدر هو الذي فات الزّنادقة وقطَّاع الطريق من المنتسبين إلى طريقة القوم، فإنَّهم لمَّا علموا أنَّ حقائق هذه الأوامر هي المطلوبة وأرواحَها، لا صورها وأشباحها ورسومها، قالوا: نجمع هممنا (1) على مقاصدها وحقائقها، ولا حاجة لنا إلى رسومها وظواهرها، بل الاشتغال برسومها اشتغالٌ عن الغاية بالوسيلة، وعن المطلوب لذاته بالمطلوب لغيره، وغرَّهم ما رأوا فيه الواقفين مع رسوم الأعمال وظواهرها دون مراعاة حقائقها ومقاصدها وأرواحها، فرأوا نفوسهم أشرفَ من نفوس أولئك، وهممَهم أعلى، وأنهم المشتغلون باللُّبِّ وأولئك بالقشر، فتركَّب من تقصير هؤلاء وعدوان هؤلاء تعطيلُ جملةِ الأمر؛ هؤلاء عطَّلوا سرَّه ومقصوده وحقيقته، وهؤلاء عطَّلوا رسمه وصورته وظنُّوا أنَّهم يصلون إلى حقيقته من غير رسمه وظاهره، فلم يصلوا إلَّا إلى الكفر والزندقة وجحدِ (2) ما عُلم بالضَّرورة مجيءُ الرسول به، فهؤلاء كفَّار زنادقة منافقون، وأولئك مقصِّرون غير كاملين.
والقائمون بهذا وهذا، الذين يرون أنَّ الأمر متوجِّهٌ إلى قلوبهم قبل جوارحهم، وأنَّ على القلب عبوديَّةً في الأمر كما على الجوارح، وأنَّ تعطيل عبوديَّة القلب بمنزلة تعطيل عبوديَّة الجوارح، وأنَّ كمال العبوديَّة قيامُ كلٍّ من المَلِك وجنودِه بعبوديَّته= فهؤلاء خواصُّ أهل الإيمان وأهل العلم والعرفان.