
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وعلامة هذا: أنَّه إذا عرض عليها طاعةً دون ذلك، وأيسرَ منه، وأتمَّ مصلحةً= لم تؤثرها إيثارًا (1) لِما اعتادته وألِفَته. كما يحكى (2) عن بعض الصوفية (3) قال: حججت كذا وكذا حجَّةً على التجريد، فبان لي أنَّ جميع ذلك كان مشوبًا بحظِّي، وذلك أنَّ والدتي سألتني أن أستقي لها جرعة ماءٍ، فثَقُل ذلك على نفسي، فعلمت أنَّ مطاوعة نفسي في الحجَّات كان بحظِّ (4) نفسي وإرادتها، إذ لو كانت نفسي فانيةً لم يصعب عليها ما هو حقٌّ (5) في الشَّرع (6).
النوع الثالث: وقوف همَّته عند الخدمة. وذلك علامة ضعفها وقصورها، فإنَّ العبد المحض لا تقف همَّته عند خدمته، بل همَّته (7) أعلى من ذلك، إذ هي طالبةٌ لرضا مخدومه، فهو دائمًا مستصغرٌ خدمته له، ليس واقفًا عندها. والقناعة تُحمَد من صاحبها إلَّا في هذا الموضع، فإنَّها عين الحرمان، فالمحبُّ لا يقنع بشيءٍ دون محبوبه، فوقوف همَّة العبد مع خدمته وأُجرتِها سقوط فيها وحرمان.