
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أنشأته من الأرض، إن كان عبدكم فشأنكم به، وإن كان عبدي فمنِّي إلى (1) عبدي، وعزَّتي وجلالي إن أتاني ليلًا قبلته، وإن أتاني نهارًا قبلته، وإن تقرَّب منِّي شبرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا، وإن تقرّب منِّي ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، وإن مشى إليّ هرولت إليه، وإن استغفرني غفرت له، وإن استقالني أقلته، وإن تاب إليَّ تبت عليه؛ من أعظم منِّي جودًا وكرمًا وأنا الجواد الكريم؟ عبيدي يبيتون يبارزوني (2) بالعظائم وأنا أكلؤهم في مضاجعهم وأحرسهم على فرشهم، مَن أقبل إليَّ تلقَّيته من بعيدٍ، ومن ترك لأجلي أعطيتُه فوق المزيد، ومن تصرَّف بحولي وقوَّتي ألنت له الحديد، ومن أراد مرادي أردتُ ما يريد، أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقنِّطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهِّرهم من المعايب».
ولنقتصر على هذا القدر من ذكر التَّوبة وأحكامها وثمراتها، فإنّه ما أطيل الكلامُ فيها إلّا لفرط الحاجة والضرورة إلى معرفتها، ومعرفة أحكامها وتفاصيلها ومسائلها، والله الموفِّق لمراعاة (3) ذلك والقيام به عملًا وحالًا كما وفَّق له علمًا ومعرفةً، فما خاب من توكَّل عليه ولاذ به ولجأ إليه، ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله.
* * * *