
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يقلِّب كفّيه ويضرب باليمين على الشِّمال! بينما بَدْرُ أحوالِه مستنيرًا في ليالي التَّمام، إذ أصابه الكسوف فدخل في الظَّلام، فبُدِّل بالأنس وحشةً، وبالحضور غيبةً، وبالإقبال إعراضًا، وبالتقريب إبعادًا، وبالجمع تفرقةً، كما قيل (1):
أحسنت ظنَّك بالأيَّام إذ حسنت ... ولم تخَفْ سوءَ ما يأتي به القدرُ
وسالمتْك اللَّيالي فاغتررتَ بها ... وعند صفو اللّيالي يَحدُث الكدرُ
قال (2) (3): (وليس في مقام أهل الخصوص وحشة الخوف، إلا هيبة الجلال، وهي أقصى درجةٍ يشار إليها في غاية الخوف).
يعني: أنَّ وحشة الخوف إنّما تكون مع الانقطاع والإساءة، وأهلُ الخصوص أهل وصولٍ إلى الله تعالى وقربٍ منه، فليس خوفهم خوفَ وحشةٍ كخوف المسيئين المنقطعين، لأنَّ الله عز وجل معهم بصفة الإقبال عليهم والمحبّة لهم.
وهذا بخلاف هيبة الجلال، فإنَّها متعلِّقةٌ بذاته وصفاته، وكلَّما كان عبدُه به أعرفَ وإليه أقربَ كانت هيبةُ جلالِه (4) في قلبه أعظم، وهي أعلى من درجة خوف العامَّة.