مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ثمَّ ينزل القلب منزل الاعتصام. وهو نوعان: اعتصامٌ بالله، واعتصامٌ بحبل الله. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال تعالى: {بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج: 78].
والاعتصام افتعالٌ من العصمة، وهو التمسُّك بما يَعصمك ويمنعك من المحذور المخوف، فالعصمة: الحمية، والاعتصام: الاحتماء، ومنه سمِّيت القِلاع: العواصم، لمنعها وحمايتها.
ومدار السعادة الدنيويَّة والأخرويَّة على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلَّا لمن استمسك بهاتين العصمتين.
فأمَّا الاعتصام بحبله فإنَّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به يعصم من الهلكة، فإنَّ السائر إلى الله كالسائر على طريقٍ نحو مقصده، فهو محتاجٌ إلى هداية الطريق والسلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلَّا بعد حصول هذين الأمرين له، فالدَّليل كفيلٌ بعصمة الضلالة (1) وأن يهديه إلى الطريق، والعُدَّة والقوَّة والسِّلاح بها تحصل له السلامة من قُطَّاع الطريق وآفاتها؛ والاعتصامُ الاعتصام»." data-margin="2">(2) بحبل الله يوجب له الهداية واتِّباع الدليل، والاعتصامُ بالله يوجب له القوَّة والعدَّة والسِّلاح والمادَّة التي يسلم بها في طريقه.
ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله بعد إشارتهم