
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تحصيل مرادي (1).
وسمعت بعض الشُّيوخ يقول (2): لو قال ملكٌ لغلامَين له بين يديه، مستغرقَين في مشاهدته والإقبال عليه: اذهبا إلى بلاد عدوِّي، فأوصلا إليهم هذه الكتب، وطالعاني بأحوالهم، وافعلا كيت وكيت؛ فأحدهما مضى (3) لوجهه وبادر ما أُمِر به؛ والآخر قال: أنا لا أدع مشاهدتك، والاستغراقَ فيك (4)، ودوامَ النظر إليك، وأشتغلَ (5) بغيرك= لكان هذا جديرًا بمقت الملك له، وبغضه إيَّاه، وسقوطه من عينه؛ إذ هو واقفٌ مع مجرَّد حظِّه من الملك، لا مع مراد الملك منه، بخلاف صاحبه (6).
وسمعته أيضًا يقول: لو أنَّ شخصين ادَّعيا محبَّة محبوبٍ، فجاءا حتى حضرا بين يديه، فأقبل أحدهما على مشاهدته والنظر إليه فقط، وأقبل الآخر على استقراء مراداته ومراضيه وأوامره ليمتثلها؛ فقال: ما تريدان؟ فقال أحدهما: أريد دوام مشاهدتك والاستغراقَ في جمالك، وقال الآخر: أريد تنفيذ أوامرك وتحصيلَ مراضيك، فمرادي منك ما تريده منِّي (7)، والآخر قال: مرادي منك تمتُّعي بمشاهدتك؛ أكانا عنده سواءً؟ ومن هو صاحب