
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
سبحانه لا يقضي لعبده المؤمن قضاءً إلَّا كان خيرًا له، ساءه ذلك القضاء أو سرَّه، فقضاؤه لعبده المؤمن عطاءٌ وإن كان في صورة المنع، ونعمةٌ وإن كان في صورة محنةٍ، وعافيةٌ (1) وإن كانت في صورة بليَّةٍ.
ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعدُّ العطاء والنِّعمة والعافية إلَّا ما التذَّ به في العاجل، وكان ملائمًا لطبعه. ولو رزق من المعرفة حظًّا وافرًا لعَدَّ (2) نعمة الله عليه فيما يكرهه أعظمَ من نعمته عليه فيما يحبُّه، كما قال بعض العارفين (3): يا ابن آدم، نعمة الله عليك فيما تكره أعظم من نعمته عليك فيما تحبُّ. وقد قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216].
وقال بعض العارفين: ارضَ عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنَّه ما منعك إلَّا ليعطيك، ولا ابتلاك إلَّا ليعافيك، ولا أمرضك إلَّا ليشفيك، ولا أماتك إلَّا ليحييك، فإيَّاك أن تفارق الرِّضا عنه طرفة عينٍ فتسقط من عينه.
الثالث والأربعون: أن يعلم أنَّه سبحانه هو الأوَّل قبل كلِّ شيءٍ، والآخر