مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
شهد الحقيقة الكونيَّة صبر به. وأمَّا الصبر له فمنزلة الرُّسل والأنبياء والصّدِّيقين؛ أصحابُ مشهد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
ولأنَّ الصبر له صبر فيما هو حقٌّ له محبوبٌ له مرضيٌّ له، والصبرَ به قد يكون في ذلك وقد يكون فيما هو مسخوطٌ له، وقد يكون في مكروهٍ أو مباحٍ؛ فأين هذا من هذا؟
وأمَّا تسمية الصبر على أحكامه صبرًا عليه، فلا مشاحَّة في العبارة بعد معرفة المعنى؛ فهذا هو الصبر على أقداره. وقد جعله الشيخ في الدرجة الثالثة، وقد عرفت بما تقدَّم أن الصبر على طاعته والصبرَ عن معصيته أكملُ من الصبر على أقداره كما ذكرنا (1)، فإنَّ الصبر فيهما صبرُ اختيارٍ وإيثارٍ ومحبَّة، والصبر على أحكامه الكونيَّة صبر ضرورةٍ، وبينهما من البون ما قد عرفت.
ولذلك (2) كان صبرُ إبراهيم وموسى ونوحٍ (3) على ما نالهم في الله باختيارهم وفعلهم ومقاومتهم قومَهم= أكملَ من صبر أيُّوب على ما ناله في الله من ابتلائه وامتحانه بما ليس مسبَّبًا عن فعله.
وكذلك صبرُ إسماعيلَ الذبيحِ وصبرُ أبيه إبراهيم على تنفيذ أمر الله أكملُ من صبر يعقوب على فقد يوسف.
فعلمت أنَّ الصبر لله أكمل من الصبر بالله، والصبرَ على طاعته والصبر